شيفرة دافنشي والنهاية المخيبة

كان اغلب وقتي منصب علي قراءة الكتب الاسلامية وخاصة ما تعلق منها بالتراث الاسلامي القديم لجاهبذة العلماء وكبارهم ، او كتب التاريخ بجميع المتعلقة ببقاع تلك البسيطة ولكل المؤرخين ، او بعض الكتب المتعلقة بعلم الاجتماع والسياسة والفكر او مطالعة صحيفة او قراءة مجلة ما .
 وكنت اتأرجح بين تلك الانواع من الكتب لا انفك عنها فلا انوع بأكثر من هذه الانواع ولا ادخل عمار عالم جديد من القراءة ، حتي اصابني الملل انه ذلك النوع من الملل الذي لا تترك بسببه القراءة ولكن يدفعك للبحث عن زاوية جديدة من القراءة ، فإن العقول تماما كما القلوب ان كلت عميت فعزمت التوجه لنوع اخر من القراءة بناءا على نصيحة من صديق .
 وبدأت مسيرة التفكير والنظر في عقلي من جديد ماذا اقرأ ومن اي بستان من بساتين المعرفة اقطف ثمرتي هذه المرة ، وكنت قبل ان اعزم على هذا القرار قد توقفت عن القرأة لفترة من الوقت لعلها كانت للتقييم او لمزيد من المراجعة والتأمل بذلك العارض الذي مر بي .
 لم يدم هذا التوقف طويلا فإن نفسى تلومني على ترك الكتاب كما لا يمكن ان تلومني على شيء آخر ، ومن الصدف القدرية الجميلة في ذلك الوقت كان يقام معرض الكتاب في غزة وكانت تلك فرصة جيدة للاطلاع علي انواع الكتب واتجاهات اخرى من القراءة لم اقترب منها بعد ، فبدأت بالبحث عن وجهتي بين العديد من العناويين والاقسام ، وكانت متنوعة جدا ما بين الادب والعلوم المهنية او الاقتصادية.
 في كل رف وزاوية وجناح من اجنحة معرض الكتاب عناويين عديدة منها القديم والجديد ، انا لا احتار بين الكتب لان جميعها عندي مقدرة وعندي استعداد كامل لحيازة كل تلك العناويين والمصنفات والموسوعات ولا يوقف رغبتي تلك الا المقدرة المادية على الاقتناء لا الرغبة فيها بل ومستعد لتقبل كل الكتب سواءا ما تواقف كاتبها معي فكريا  فازداد قناعة بما انا فيه او ما خالفني فيها فازداد بعد عنه .
وامام تلك الرغبة الجامحة والمقدرة المادية المتواضعة كان لزاما علي ان اقرر ما اريد ، كان كتب الادب هي الخيار فهو شيء لم اطرق بابه سابقا وعندي مقدرة مادية لحيازة بعضها ، واكن اي انواع من الادب فهناك الروايات والقصة والشعر والمسرحية والنقد الادبي والبحث الادبي وغيرها الكثير ، لم اتوقف في التفكير كثيرا وبسرعة قررت وقتها انه ادب الروايات فهذا النوع اهملته كثيرا ولم افكر فيه سابقا ولن يكون هناك مانع عندي ان اكتشف هذا العالم ، فقد يكون هذا هو الوجهة الصحيحة ويحقق المراد ويعيديني الي القراءة من جديد بفاعيلة كبيرة وفي جميع اتجاهات القراءات المختلفة مرة اخرى.
 قم باختيار مجموعة من الروايات مثل البؤساء واحدب نوتردام لفيكثورهيجو وشيفرة دافنشي ووملائكة وشياطين لدان براون ، وبدأت بقراءة قصة البؤساء التي وجدتها بسيطة للغاية بشكل لا يعكس شهرتها كرواية عالمية ، وكان حكمي عليها أنها رواية ذات ظروف واقعية بشخصيات وهيمة وحبكة قصصية غير منطيقة حيث تترابط الشخصيات وظروف التقاءهم في القصة كان لا تصدق فضلا على ان  تفهم ورغم ما فيها من العيوب بنظري ، الا انها  شدتني بأسلوبها وقرأتها كاملة بلجسة واحدة تقريبا استمرت عدد من الساعات، وكم كانت سعادتي بقراءة تلك القصة فلقد اصبحت هي المفتاح  لنوع  جديد من المطالعة غيبته او غاب عني .
 بدأت بعدها بقراءة رواية شيفرة دافنشي وهي بطلة هذا المقال، وبصراحة كانت رائعة واكثر من رائعة ،  فجحم المعلومات الحقيقة فيها مهولة وشخصيات القصة شخصيات اعتبارية وازنة في مجتمعها ، كما أن القصة قد تطرقت الي امور لم اقرأ عنها سابقا في حياتي فضلا عن سماعي بها ، واطلعت على بعض الحقائق الواردة ضمن سياق القصة لحقائق فنية وتفاصيل عن الجمعيات المسيحية السرية وطبقات الكنيسة الكاثوليكية فلقد اضافت لي تلك الرواية الكثير بهذا الجانب ،ومدتني بمعرفة متعددة الاوجة لموضوعات لم افكر بالاطلاع عليها لولا وجود هذه القصة في طريقي .
 فلقد كانت القصة غاية في الروعة ،غاية في الاتقان ، والحبكة القصصية تفاعلية مليئة بالاثارة ، فكل حوداثها بدأت واقعية يمكن ان تحدث على ارض الواقع ،  وكان كل فصل فيها يأخذك الي جانب مختلف من الاثارة، فلقد كانت المعركة فيها متعددة الساحات ما بين باريس ولندن وروما تارة ، وما بين متحف اللوفر وكنيسة الهيكل وقصر فيلت تارة اخرى.
  كانت الاحداث المتعاقبة والمتتالية في القصة كفيلة بشد انتباهي بقوة رغم كبر تلك الرواية نسبيا في حجم عن رواية البؤساء ، الا انني جلست ثلاث ايام كاملة اقرأ بها كلما وجدت الوقت لهذا بل وحتي فرغت نفسي من اجل الانتهاء منها فقد حصلت على يوم اجازة من العمل فلم يكن يوقفني عن مطالعتها الا نوما قهريا او امرا ضروريا يخرجني من دائرة الاندماج معها الي دائرة التفاعل مع واقعي المحيط الذي تناسيته تماما وانا اطالع تلك الرواية .
أصبحت الاثارة تزداد كلما توغلت اكثر في الرواية وايقنت تماما انه في النهاية سأتعرف علي الغريل او الكأس المقدسة تلك العناويين التي تستخدم كطلامس في القصة ، وسأعرف أخيرا سرهما وما فيه من الوثائق التي ستحمل العديد من المفأجات الصادمة للمجتمع المسيحي .
 وصلت بالقصة الي نهايتها او ما يقارب النهاية بقليل دون ان تجد بطلة القصة بعد الغريل وبدأ عقلي يفكر حتى وانا اطالع القصة واقرأ ما تبقى منها ، و يبدو ان الجزء الاخير من القصة هو الاقل اثارة فكيف يمكن ان يغفل الكاتب من افراد جزء كامل او اكثر لما بعد اكتشاف الغريل ام انه من الروايات التي يتركك فيها الكاتب حائرا في وضع النهاية المناسبة او ان تتنبئ انت بنهاية واقعية للقصة من وحي خيالك .
لماذا لم يتداول الاثر الذي سيحدثه هذا الاكتشاف علي ابطال القصة والمجتمع والكنيسة والاخوية والمنظمة الكاثولكية وحتى على الحكومات.
لقد توقعت نهاية للقصة على جانبين :-
الاول :- ان تكون صوفي نوفو بطلة القصة هي من نسل المسيح عليه السلام وبذلك تكون مريم المدجدلية هي زوجة المسيح وان المسيح سيكون نبيا وليس ابنا للرب وفي هذا هدم لاساس العقيدة المسيحية .
والثاني :- ان يتم اكتشاف وثائق الغريل وما تحتويه من نفائس الاسرار وحقائق التاريخ مغيبة تهدم الرواية المسيحية للتاريخ ورحلة المسيح  .
وكان الجانب الثاني اكثر أثارة عندي لانه كان مخفيا عني لا اعرف ما فيه ،  اما الجانب الاول فلقد كان من السهل التنبؤ به ، لهذا شعرت بخيبة أمل  شديدة  لماذا لم يحصل هذا؟ ولماذا لم يستخرجوا شئ ابدا ؟ ورغم المرارة التي سببتها لي نهاية القصة الا انني كنت سعيد جدا علي التقاء صوفي باخيها وجدتها فاخيرا اصبح لها عائلة بعد ان فقدت كل شئ في اول القصة .
وبدأت افكر بتلك الامواج من الاثارة التي خضتها في تلك الرواية وادركت ان هناك متعة في قراءة الراية اكثر من مجرد  معرفة النهاية وادراكها ، ونصيحة اخيرة  ان اردت ان تتمتع بقراءة قصة ما ففكر بنهايتها من اول سطر تطالعه فيها ، وحاول ان تغير تلك النهاية مع كل تطور في القصة لتزداد متعتك ، فالاثارة تنبع في التفاصيل اكثر ما تنبع بالنهاية ، واخيرا كان حكمي علي تلك الرواية أنها في نهايتها اكثر روعة من بدايتها .
محمد نهيل مهنا
26/6/2020
الساعة 2:48 مساءا 

تعليقات